بين المنطقة الساحلية من الصحراء الغربية، وقلب هذه الصحراء نفسها، يوجد عدد من غيضـات أشجار السنط، منتشرة من حدود وادي النيل شرقاً، إلى الحدود مع ليبيا غرباً؛ وهي غيضات غير متجمعة، يتراوح حجم الواحدة منها بين مئات قليلة ومئات عديدة من الأشجار مختلفة الأحجام. والمعروف عن هذه الأشجار قدرتها على احتمال الحياة في مناطق يقل معدل هطول أمطارها عن 10 مم / سنة؛ فهي تصبر على الجفاف، مهما طالت المسافة الزمنية بين ( حوادث ) سقوط المطر. وينمو في جوار هذه الأشجار كثير من أنواع الأعشاب غير المعمرة، وهي أحد أهم مصادر طعام الحيوانات العشبية دائمة التنقل، مثل الغزال المصري، Gazella dorcas .
ويبلغ عدد المنخفضات الرئيسية في الصحراء الغربية سبعة، أقربها إلى جهة الشمال، وهو بالوقت ذاته أكبرها، منخفض القطَّـــارة، الذي يغطي مساحة 19500 كيلومتراً مربعاً، ويشتمل على مناطق للسبخة، وبحيرات، ومستنقعات ملحية، تبلغ مساحتها 5800 كم2؛ ومنسوب أقل نقطة فيه انخفاضاً هو 134 متراً، تحت مستوى سطح البحر. ويكاد هذا المنخفض الضخم أن يكون خالياً من السكان؛ كما يتعذَّر الوصول إلى كثير من المواقع به، مما جعلها ملاذاً لأنواع من الحيوانات النادرة، مثل ( الفهد ) ، وغزال دوركاس.
وتأتي واحة سيوة، في الغرب من منخفض القطارة؛ وتاريخها طويل، متقطع وفيه تنوع؛ فبالرغم من أنه ليس ثمة دلائل على أنها كانت معروفة في عهود الممالك المصرية القديمة والوسيطة والحديثة، غير أن هناك ما يشير إلى أنها كانت عامرة، في عهد الأسرة رقم 26 من الأسرات الفرعونية الحاكمة ( 664 – 525 ق.م. ). وبعد أن زارها الإسكندر الأكبر، في عام 331 ق.م.، ليتلقى وحي الآلهـة، ذاع صيت سيوة في إقليم البحر المتوسط. والإسم القديم لسيوة هو ( سِــخِت إيميت )، ومعناه ( بستان النخيل )؛ وهو اسم يليق بها حالياً؛ إذ أن هذا المنخفض، الضيق نوعاً ما، والذي يمتد لمسافة 82 كم، يغُــصُّ بغابات النخيل ذات التمور ذائعة الصيت في مصر كلها. وتمتلك واحة سيوة وفرةً من المياه، فثمة بعض البحيرات، وأكثر من 1000 ينبوع؛ إلاَّ أنها مياه عالية الملوحة، تصلح معها بعض الزراعات، مثل نخيل البلح، وأشجار الزيتون، وأنواع معدودة من الخضروات.
وتوجد المياه الصالحة للشرب في منخفضات رئيسية أخرى، عرفت مجتمعاتها الزراعة والاستقرار منذ عدة آلاف من السنين؛ منها منخفض الفيُّـــوم؛ وهو قريب جداً من القاهرة، ويعود تاريخ نشـــأته إلى المملكة المصرية القديمة ( 2613 – 2181 ق.م. ). ويستقبل هذا المنخفض مياهه العذبة من نهر النيل، عبر ثلاث قنوات، هي : ( الإيراهيمية )، و ( بحر وهبي )، و ( بحر يوسف )؛ والمعتقد أن الأخيرة كانت فرعاً قديماً من فروع النيل، فهي موغلة في القِــدم.
وبالإضافة إلى شهرة الفيوم كأحد المواطن القديمة للزراعة، فقد اشتهرت أيضاً بمجموعتها من الحفريات الحيوانية التي وُجدت بأرضها، ومنها حفرية لحيوان من نوع ( الوبر )، في حجم الحصان، هو ( ميجالو هايراكس )؛ ومنها أيضاً نوع من الفيلة القديمة، اسمه ( أرصينوثيريام )، يبلغ ارتفاعه عند الكتف مترين، وله قرنان هائلان فوق أنفه.
ومن الطيور اللصيقة بالموائل الطبيعية في منخفضات وواحات الصحراء الغربية، ( البلبل الأحمر المغني )، و ( القمري، أو الترجول )، بالإضافة إلى العديد من أنواع الطيور المهاجرة، تمر بها وتفيد منها، وتجد فيها غذاءً وفيراً، متمثلاً في البعوض، الذي يسيئ إلى سمعة بعض هذه المنخفضات الموبوءة به.
وفي مناطق السبخة بالمنخفضات، وتلك المتصلة بالصحراء، يوجد قلة من أنواع الزواحف، من بينها ( السقنقر )، و ( الورل الصحراوي )؛ كما سجل العلماء بهذه الموائل الطبيعية 12 نوعاً من اللبونيات، ليس من بينها ما هو أصيل النشأة بها؛ مثل ( الفأر النيلي )، و ( قط المستنقعات ). وقد يكون الفأر النيلي من الأنواع التي جاءت إلى المنخفضات حديثاً، أما قط المستنقعات، فإنه معروف في واحتي الفرافرة والداخلة، منذ زمن بعيد.
ويعد (وادي النطرون) أحد المنخفضات الصغيرة، فلا يزيد طوله عن 50 كم، وأقصى اتساع له 8 كم؛ وهو مشهور من أيام الفراعنة، لاحتوائه على خام ( النطرون ) الطبيعي؛ وهو خليط كيميائي من أملاح الكربونات والكلوريدات والكبريتات؛ وكان الفراعنة يستخلصونه ويستخدمونه في التحنيط وتجهيز المومياوات. وقد ارتبط اسم هذا الوادي، منذ القرن الرابع الميلادي، بالكنيسة المسيحية.
