وصف ( هيرودوت ) مصر بأنها هبة النيل؛ وبالفعل، فإن مصر كانت – على مرِّ آلاف السنين – هي وادي النيل ودلتــــاه، وكانت صحراواتها القاسية، التي تمثل معظم مساحة مصر المعاصرة، خارج أي اعتبار. ولقد كوَّن النهر والدلتا واحةً مثالية، فيها الوادي الممتد من بحيرة ناصر، في الجنوب، شمالاً إلى رأس مثلث الدلتا، عند موقع مدينة القاهرة، تقريباً؛ ومتوسط اتساعه عشرة كيلومترات. أما الدلتا، فطولها، من القاهرة حتى مشارف البحر المتوسط، 166 كيلومترا، واتساعها 250 كيلومترا.
والآن، وبعد مرور ما يقرب من 7 آلاف سنة على بدء النشاط البشري، يمكن القول بأن هذه الواحة النهرية، هي – في الحقيقة – نظام بيئي صنعه الإنسان، الذي توسَّــع في زراعة المنطقة، كما غرس الأشجار على نطاق واسع بالمدن؛ وكان إدخال بعض أنواع الأشجار لقيمته الجمالية، واستغل لتزيين المدن، كما هو الحال بالنسبة لشجرة Cassia nodosa ، ذات الأزهار القرمزية؛ وشجرة اللهب ، أو Delonix regia و شجرة ( البوهينيــا )، وغيرها.
وقد ساعدت خصوبة تربة وادي النيل ودلتاه على تكريس تنوع هائل في الفواكه والخضروات ذات النشأة المصرية الخالصة؛ وكانت النباتات التي تجود زراعتها في الأجواء الباردة تزرع خلال شهور الشتاء، وتلك التي تستحب الدفء تزرع صيفاً؛ كما وجدت النباتات المتوطنة ظروفاً طيبة للنمو في هذا الموئل الطبيعي، الذي احتضن ستة أنواع أصيلة في هذه المنطقة، بالإضافة إلى ثلاثة أنواع أخرى مصرية النشأة، وتوجد في نطاقات بيئية أخرى بمصر.
أما الحيوانات التي تستوطن هذا الإقليم، فإما أنها تعيش علاقات تكافل، أو أنها اكتسبت القدرة على تحمل الأنشطة البشرية. ومن هذه الحيوانات، ( فأر النيل )، و ( القنفذ طويل الأذنين )، و ( قط البراري )، و ( الرغوب، أو الدلق )، والأخير يوجد بالقاهرة والإسكندرية. ومن زواحف هذا النطاق البيئي، ( أبو السيور )، و (ثعبان الماء )، الذي ينتشر في المجاري المائية وقنوات الري في الدلتا؛ و ( السحلية الدفَّــانة ). وتمثل البرمائيات في المنطقة بعدة أنواع، أكثرها شيوعاً ( الضفدع النيلي )، أو ( صفدع الطين )، الذي يمكنك أن تسمع نقيقه في حدائق المناطق الحضرية، وحتى في قلب القاهرة.
وقد اجتذبت وفرة الطعام والماء كثرةً من أنواع الطيور المهاجرة، لتقضي شتاءها بالمنطقة، مما جعل عدد الأنواع، في تجمعات الطيور التي تعيش بها، يزداد إلى حوالي 66 نوعاً، من بينها ( طائر المك )، أو ( كوكو )؛ و ( الكروان السنغالي )، الذي تُســـمع ترديداته المميزة في القاهرة، ليلاً.
ويُطلق اسم ( بحيرة ناصر ) على الجانب الشمالي من المخزون المائي الهائل، الذي تكون بعد بناء السد العالي. وتشغل هذه البحيرة مساحة 5248 كيلومترا مربعاً؛ وإن كانت مساحة سطحها تتبدل تبعاً لحجم مياه الفيضان، كل سنة. ولهذه البحيرة تفريعات عديدة، هي ( الخيران )، التي هي في حقيقتها عبارة عن أودية ممتدة باتجاه وادي النيل، وتغمرها المياه في أوقات الفيضان العالي. ويبلغ امتداد بعض هذه الخيران عدة كيلومترات، في الصحراء.
وتسمح الظروف البيئية في شواطئ وجزر هذه البحيرة بنموات نباتية كثيفة. كما أنها – البحيرة – لم تجتذب، في بداية تكونها، طيوراً مهاجرة، ولكنها اكتسبت أهمية متزايدة كمشتىً للطيور المائية، وبصفة خاصة، للنوع من البط البري المسمى ( زرقاوي )؛ كما أن البحيرة هي الموئل الطبيعي الوحيد المعروف في سائر مصر لتوالد الأوز المصري، الذي يسمى، أيضاً، ( شيقة ). وإضافة إلى ما سبق، تعرف البحيرة من الزواحف ( تمساح النيل )، و ( ورل النيل )، وهو سحلية مائية ضخمة، بالإضافة إلى ( السلحفاة النيلية ) ذات الدرقة اللينة، التي لا توجد إلا في هذا الموئل الطبيعي. ومن حيوانات المنطقة، ( ابن آوى )، و ( قط الرمال ).